قانــــون التوطين في القطـــــــاع الخـــاص القطـــــري
تسعى دولة قطر، في إطار رؤيتها الوطنية 2030 ، إلى بناء اقتصاد قوي قائم على المعرفة، يرتكز على التنمية البشرية المستدامة. ومن بين أبرز ركائـز هذه الرؤية تعزيز مشاركة الكوادر الوطنية في سوق العمل، وخاصة في القطاع الخاص، الذي يشكّل حجر الزاوية لأي اقتصاد منتج ومتنوع. في هذا السياق، تبرز سياسة “التوطين” كأداة استراتيجية تهدف إلى تمكين المواطنين القطريين من المساهمة الفاعلة في النشاط الاقتصادي الوطني، عبر تمكينهم من فرص العمل المناسبة داخل مؤسســات القطاع الخاص. (1)
حيث نجد أن سيطـرة العمالة الوافـدة على مختلف قطاعـات العمـل ، ولدت ضرورة تبني سياسـات التوطين والإحــلال التدريجي للعمالة الوطنية محل العمالة الوافدة باعتبار أن ذلك هو الخيار الأمثـــل ، ان نسبة الوافدين المقيمين في قطر تبلغ حـوالي 86% تقريباً وذلك في العام السابق بناءً على إحصائيات جهاز التخطيط والإحصاء، ومعظمهم من الذكور، إذ أن نسبة الذكور تبلغ 65%، ونسبة الإناث 35%، مما يخلق مشكلة ديموغرافية أخرى.
بلا شك ، أدى ذلك إلى توفير حياة مرفهة للمواطن القطـري ، تفوق بمراحل تلك التي يعيشها الوافدون المقيمون، الذين يواجهون تحديات التضخم وارتفاع الإيجارات وغيــــرها من الصعوبـــــات الماديـــــة.
إن قانون توطين الوظائف في القطاع الخاص يعتبر أحد أبرز القوانين التي سيكون لها دور محوري في الوصول إلى مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لقوى عاملة كفؤة ذات إنتاجية عالية، حيث يهدف القانون إلى رفع نسب المشاركة الفعّالة للقوى العاملة الوطنية في مؤسسات وشركات القطـاع الخاص، وفتح مجالات وفرص وظيفية للقطريين وأبناء القطريات بما يزيد الاستفادة من الكفاءات الوطنيــــة المؤهلة .(1)
الإطــــار التشريعــــي للتــوطيــــن في قطـــــــــر :
يشكل قانــون التوطين جزءًا من منظومــة أوســـــع من السياسـات التي وضعتها الدولــة لدعـم “التنمية البشرية”، وتعمل عدة جهات حكومية على تنفيـذ وتطويـر هذه السياسات، على رأسهــا وزارة العمـل، ووزارة التنمية الاجتماعية والأسـرة، بالإضافة إلى الجهـات التنظيمية القطاعيـة حيث نصت المادة (2 ) من قانـون التوطين لسنة 2024 "يكـون توطين الوظائـف بإلزام الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون بتوظيـف وتدريـب وتأهيـل القطريين الباحثين عن عمـل، فإذا لـم يوجد مرشح لتلك الوظائف من القطريين، تكـون الأولـوية في ذلك لأبناء القطريات، وذلك وفقاً للسياسات والخطط والبرامج التي تضعهـــــــا الوزارة " . (3)
سريان القانون رقم 2024 الخاص بشأن توطين الوظائف في القطاع الخاص حسب نص المادة (3) يسري على الجهات التالية:
1- أصحاب العمل من الأشخاص الطبيعيين الذين يديرون منشآت خاصة مقيدة بالسجل التجاري.
2- الشركات التجارية التي تزاول أعمالها في الدولة، سواء كانت مملوكة للدولة أو تساهم فيها أو كانت مملوكة لأشخاص القطاع الخاص .
3- المؤسسات الخاصة ذات النفع العام والمؤسسات الرياضية والجمعيات وما في حكمها.
ويجوز بقرار من مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح الوزير، إضافة أو استثناء أي جهة من تطبيق كل أو بعض أحكام هذا القانون.
ولا تســري أحكام هـذا القانون على المؤسسات التي تؤسسها قطر للطاقة أو تشارك في تأسيسها أو التي تساهم فيها، والشركات القائمة على تنفيذ اتفاقيات الاستكشاف والمشاركة في الإنتاج واتفاقيات تنمية الحقول واقتسام الإنتاج واتفاقيات المشاريع المشتركة في مجال العمليـــــات البتروليـــــة والصناعـــــات البتروكيمــــــاوية . (3)
يندرج التوطين ضمن القوانين والقرارات الوزارية التي تنظّم سوق العمل ، حيث صدرت عدة قرارات تُلزم الشركات في بعض القطاعات بتحقيق نسب توطين محددة ، إلى جانب فرض معايير لتفضيل المواطنين في التعيينات الجديدة، لا سيما في الوظائف الإدارية والفنية العليا ، يرمي قانون التوطين إلى تحقيق جملة من الأهداف الوطنيــــة، من أبــــــرزها :
1- رفع نسبـــة مشاركـــــة المواطنين القطريين في سوق العمــــل ، وتقليص الاعتمـــاد المفرط على العمالــــة الوافدة .
2- تطوير القدرات الوطنيـــــــة من خلال برامج التدريب والتأهيـــــل المهني المرتبط باحتياجــــــــات الســـــــــوق .
3- تحقيــــــق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي من خلال تعزيز فرص التوظيـــف للمواطنين .
4 – بنـــاء رأس مال بشـــــري تنافســــــي يسهم في تطويــــر الاقتصـــــــاد الوطــــــــني ودفـــــع عجلــــــة الابتكار .
قانون التوطين وما يتضمنه في القطاع الخاص :
1/ نسب التوطين : حيث ألزمت الحكومة القطرية بعض القطاعات الاقتصادية الحساسة (مثل البنوك، شركات التأمين، المؤسسات الصناعية الكبرى...) بتحقيق نسب محددة من التوظيف للمواطنين، والتي تختلف من قطاع إلى آخر. على سبيل المثال، تلزم اللوائح التنظيمية الصادرة عن مصرف قطر المركزي المؤسسات المصرفية بتحقيق نسبة لا تقل عن 25% من التوظيف في الوظائف المصرفية للقطريين، مع الالتزام برفع هذه النسبة تدريجيًا ، وأيضا القانون يفرض على الشركات التي تضم 50 موظفًا فأكثر تحقيـــق زيادة سنويــة في نسبة التوطين بمعدل 2% للوظائف المهارية، مـــع تحقيق زيادة إجماليــــة بنسبـــــة 10% بحلــــول عـــام 2030م .
2/ خطة التقطير السنوية: تُلزم المؤسسات الكبرى في القطاع الخاص بتقديم خطط سنوية للتقطير، تشمل الأهداف التوظيفية للمواطنين، وخطط التدريب والتأهيل، إلى الجهات الحكومية المعنية. ويتم تقييم مدى التزام الشركة بتحقيق هذه الأهداف سنويًا.
3/ تفضيل القطري في التعيين : ينص القانون على أولوية توظيف المواطنين عند توافر مرشحين بنفس الكفاءة، ويُلزم الشركات بتبرير قرار التعيين في حال اختيار غير القطري في وظيفة كان مؤهلاً لها قطري .
4/ الجزاءات والعقوبات : في حال عدم التزام المؤسسة بنسب التوطين أو عدم التعاون مع خطط وزارة العمل، يجوز فرض قيود على إصدار تصاريح العمل الجديدة، أو فرض جزاءات مالية أو إدارية . (2)
التحديات العملية أمام تنفيــــذ التوطين وما يواجـــه تطبيـــق قانـــون التوطـــين :
تنص المادة (7) : " تلتزم الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون بتبليغ الإدارة بكافة الوظائف المتوفرة لديها والشروط الواجب توفرها في المرشح لشغلها أو للقيام بها، والأجر المحدد لكل منها، والتاريخ المناسب لشغلها أو القيام بها ، وذلك خلال مدة لا تجاوز شهراً من تاريخ خلو الوظيفة أو إنشائها أو توفـــــر العمــــل بها بأي وجــــه ". (3)
كما تلتزم الجهات المشار إليها، بموافاة الإدارة ببيانات من تم تعيينهم وفقاً لأحكام هذا القانون، خلال ستين يوماً من تاريخ التعاقد وتزويد الإدارة، كل ستة أشهر، بكافة بيانات العاملين القطريين وغير القطريين لديها، وأية بيانات أو مستندات أخرى تطلبها الإدارة .
مع ذلك توجد تحديات ابرزها :
1- الاختلاف في ثقافة العمل : ظهر بعض المواطنين تفضيلاً للعمل في القطاع العام بسبب ساعات العمل المرنة، والأمان الوظيفي، والمزايــــا الاجتماعيـــــة، مقارنـــــة بما هــو متـــــاح في القطاع الخــــــاص.
2- المهارات والكفاءات : تفتقر بعض القطاعات، خصوصًا التكنولوجية والفنية، إلى كفاءات وطنية جاهزة، وهو ما يجعل من الصعب على الشركات توظيف المواطنين دون استثمار طويـــــل في التدريب.
3-العبء الإداري على الشركات : بعض مؤسسات القطاع الخاص تشكو من البيروقراطية المصاحبة لخطط التوطين، بما فيها التقارير السنويــة، والتدقيق على قرارات التوظيف، ما قد يؤثر على مرونــــة التشغيـــــــل.
دور الحكومـــــة في تعزيـــــز فعالية التوطين
ولتجاوز التحديات المذكورة، أطلقت الحكومة القطرية حزمة من المبادرات المصاحبة لقانون التوطين، أبرزها :
§ برنامج “كوادر” الذي يربط الباحثين عن عمل بالفرص المتاحة، ويوفّر تدريبات تخصصية لرفع جاهزيتهم .
§ دعم الأجور في بعض الوظائف ذات الرواتب المنخفضة لجعلها أكثر جاذبية للمواطنين .
§ إدماج مفاهيم سوق العمل في التعليم الثانوي والجامعي لربط المخرجات الأكاديمية باحتياجات القطاع الخاص .
§ تحفيز القطاع الخــــاص من خلال الإعفاءات والحوافــــز عند تحقيق نســــب توطين عالــــية .
خاتمــــــــــة :
إن قانون التوطين في القطاع الخاص القطري ليس مجرد أداة قانونية، بل يمثل التزامًا وطنيًا استراتيجيًا بتعزيز المشاركة الاقتصادية للمواطنين، وتمكينهم من أن يكونوا جزءًا فاعلًا في مسيرة التنمية. ورغم التحديات المرتبطة بتنفيذه، فإن الجهود المتكاملة التي تبذلها الدولة – على المستويين التشريعي والتنفيذي – تؤسس لبيئة أكثر توازنًا بين الطموحات الوطنية ومتطلبات السوق ، وتفتح الطريق نحو تحقيق اقتصاد تنافس ي يقوده الإنسان القطـــــري الكفء .
Recent News
- H.H. the Amir Issues Landmark Amendments to the Civil Human Resources Law to Strengthen Incentives and Government Excellence
- تطور تشريعي يعيد رسم ملامح مهنة المحاماة في دولة قطر: أبرز ملامح التعديلات الواردة بالقانون رقم (19) لسنة 2025
- A New Era for Qatar’s Legal Profession: Key Reforms Under Law No. 19 of 2025